ذكرت بعض المصادر وجود أئمة في المغرب سبقوا
الإمام أبا الخطاب ، ومنهم الحارث بن تليد الحضرمي ، الذي بويع بالإمامة في المغرب
قبل الإمام أبي الخطاب في الفترة بين عامي ( 131 و 140هـ ) ، واختار عبد الجبار بن
قيس المرادي
قاضيا ومستشارا له ، وقد درسا على يد الإمام أبي عبيدة في البصرة ،
وشاركا في ثورة أبي حمزة الشاري ، الذي أرسله الإمام طالب الحق إلى مكة والمدينة ،
وكانت الثورة في عام 129هـ ، وانتهت في عام 130 هـ ، ثم بعد ذلك اتجها إلى المغرب
الأدنى ، ولعل ذلك بإشارة من الإمام أبي عبيدة ، وبايعه الإباضية في المغرب بعد
مقتل رئيسهم عبد الله بن مسعود التجيبي ، وقد اختلف في إمامته فقيـل إمامـة دفاع ، وقيل أنها كانت إمامة ظهور .
والسبب الذي دفع الإباضية إلى مبايعة الحارث
ليكون إمام دفاع هو قتل رئيسهم عبد الله بن مسعود التجيبي في عام 126هـ وقيل 127
هـ ، على يد الياس بن حبيب والي طرابلس لأخيه عبد الرحمن بن حبيب الذي انتزع ولاية
أفريقية من حنظلة بن صفوان الوالي الأموي .
ولم تذكر المصادر السبب الذي دفع الياس بن
حبيب لقتل عبد الله بن مسعود التجيبي ، ومن المحتمل أن التجيبي قام بنشاط كبير أدى
إلى تهديد حكم الأسرة الفهرية في أفريقية ، فتخلصوا منه قبل أن ينظم الإباضية في
ثورة مسلحة ضدهم .
وسبب اختيار الإباضية لعبد الله بن مسعود
التجيبي رئيسا لهم حتى أنه تلقب بلقب الرئيس هو خوف الإباضية من انتشار المذهب
الصفري في المغرب على حساب المذهب الإباضي ، وذلك لحركة الصفرية النشطة في المغرب
حتى أنهم قاموا بثورة بين عامي ( 122 و 125هـ ) ، وبالتالي سيخسر الإباضية تحقيق
حلمهم في إقامة دولة للإباضية هناك ، فكانت هذه نقطة تحول في تاريخ الدعوة
الإباضية في شمال أفريقيا فكثفوا جهودهم الدعوية ، وزادوا عدد الدعاة الذين أصبحوا
يجوبون المناطق المغربية ، وأمروا عليهم شخصا منهم عارفا بالمذهب مخلصا له ومتحمسا
في سبيل نشره وهو عبد الله بن مسعود التجيبي إلا أنهم لم يبايعوه كإمام عليهم ولكن
اكتفوا بلقب الرئيس ، وهذا دليل على أن إمامة الظهور لم يحن وقتها بعد .
وعبد الله بن مسعود التجيبي تذكر بعض
المصادر أنه أخذ العلم عن الإمام جابر بن زيد ، وقيل بل عن تلميذه الإمام أبي
عبيدة ، وكذلك أخذ العلم عن داعية المغرب
سلمة بن سعد في أوائـل القـرن الثاني الهجري .
وكان لقتل رئيس الإباضية أثرا كبيرا عليهم ،
فكان هذا الحدث محركا قويا لهم دفعهم للثورة العلنية ضد الحكم القائم المتمثل
بالأسرة الفهرية التي يتزعمها عبد الرحمن بن حبيب ، وقد حاول عبد الرحمن هذا أن
يخفف وقع المصاب وأعلن غضبه وعدم رضاه عن عمل أخيه في قتل التجيبي ، فعزله وولى مكانه
حميد بن عبد الله العكي ، ولكن ذلك لم يجد نفعا عند الإباضية وذلك لغضبهم الشديد
لقتل رئيسهم فثاروا بقيادة الحارث بن تليد الحضرمي ونصبوه إمام دفاع عليهم .
وقد حاول عبد الرحمن بن حبيب القضاء على هذه الثورة بكل الوسائل المتاحة
سواء كانت سلمية أم حربية إلا أنها لم تجد نفعا ، واستطاع الإباضية السيطرة على
طرابلس والمنطقة الواقعة بين طرابلس وقابس وسرت ، مما اضطر عبد الرحمن بن حبيب
للخروج بنفسه للقضاء عليهم وتمكـن من هزيمتهـم والقضاء عليهم .
وتختلف المصادر المتوافرة حول مصير الحارث وعبد الجبار اللذين تزعما الحركة
الإباضية في هذه الفترة ، فالمصادر السنية تذكر بأنهما قتلا أثناء المعارك التي
جرت بين الإباضية وبين ابن حبيب ، أما
المصادر الإباضية فتذكر أن الرجلين وجدا مقتولين وسيف كل واحد منهما مغمد في جثة
صاحبه .
والحقيقة أن المصادر الحديثة على العكس من القديمة فصلت الحديث في قضية
الحارث وعبد الجبار، ومن هذه المصادر الحديثه تاريخ المغرب الكبير لمحمد على دبوز
، ومعجم اعلام الإباضية ، ونشأة الحركة الإباضية للدكتور عوض خليفات .
فنجد الدكتور عوض خليفات يفصل الحديث في قضية الحارث وعبد الجبار تفصيلا لا
نجده عند غيره من الباحثين ، واعتمد فيما ذكره على ما نقله من كتب أهل السنة من
أمثال كتاب العبر لابن خلدون ، وكتاب الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى للسلاوي
وغيرهما ، وأما المصادر الإباضية التي اعتمد عليها في موضوع الحارث وعبد الجبار
منها الجواهر المنتقاه للبرادي ، و السير للشماخي ، والسير وأخبار الأمة لأبي
زكريا وغيرها .
ولا ننكر أن بعض المصادر الإباضية الحديثة فصلت الحديث نوعا ما في مسألة
الحارث وعبد الجبار ومن هذه المصادر تاريخ المغرب الكبير لمحمد علي دبوز ، ومعجم
أعلام الإباضية ؛ أما المصادر الإباضية القديمة كالطبقات للدرجيني والسير للشماخي
لما تناولت موضوع الحارث وعبد الجبار لم تذكر هذا التفصيل الذي ذكره د/ عوض خليفات
، وإنما مرت عليهما مرورا سريعا وفصلت الحديث في قضية قتلهما وما نتج بعد ذلك من
الخلاف عند علماء الإباضية هل هما في الولاية أم البراءة أم الوقوف ؟
فنجد الدرجيني وهو متقدم على الشماخي يقول : " الحارث وعبد الجبار
كانا رجلين موصوفين بالصلاح ، وهما من أهل الولاية ، فوجدا في موضع واحد مقتولين
وسيف كل واحد منهما في جثة الآخر ، فوقع الاختلاف فيهما فقائل يقول أن كل منهما
قتل الآخر فينبغي أن نبرأ منهما فهذا أرذل الأقوال ، وقائل بأن كل واحد منهما قتل
الآخر إلا أنا لا ندري الباغي منهما فنبرأ منه ولا المبغي عليه فنتولاه فلا يسعنا
إلا الوقوف عن ولايتهما والبراءة منهما هذا قول أصحاب عبد الله بن يزيد ، فقائل
أنهما باقيان على ما كانا يستحقانه من الولاية لأن صلاحيتهما متيقنة وقتل أحدهما
الآخر مشكوك فيه فلا نتوقف عن ولايتهما
.... وهذا قول أصحابنا " إهـ .
وذكر بعد ذلك أنه لا يبعد أن يكون عبد الرحمن دبر هذه المكيدة وقام بقتلهما
وجعل سيف كل واحد منهما في صاحبه لينشر الخلاف والفرقة في صفوف الإباضية ، وهذا ما
ذكره كذلك الباحث محمد علي دبوز ، والدكتور عوض خليفات وغيرهما من الباحثين .
فلم يزد الدرجيني على ذلك ، ولم يذكر أن الإباضية بايعوا الحارث بالإمامة ،
ولم يذكر ثورة الحارث وقتاله لعبد الرحمن
حتى أنه لم يذكر عبد الرحمن هذا ، وإنما كنا عنه وعن من معه بالبغاة ، ولم
يذكر قبله أن الإباضية انتخبوا رئيسا لهم ولقبوه بالرئيس وهو عبد الله بن مسعود
التجيبي ، إلا أننا نجد تلميح بسيط في الطبقات بكونهما أي الحارث وعبد الجبار من
أئمة المسلمين ، فنجد الدرجيني يذكر أن موضوع الحارث وعبد الجبار فتح من جديد في
الفترة من عام ( 400 و 450هـ ) ، فنجده يقول : " .... ثم كان بعد ذلك بأيام
مجلس آخر حضره جل العزابة المشائخ فيهم أبو عمران فسألهم أبو عمران ما تقولون فيمن
وقف لكم في أئمة المسلمين - يقصد الحارث وعبد الجبار - ؟ فأداروا السؤال بينهم حتى
انتهى إلى المدوني ، فقال : من وقف فيهم دون أن تقوم عليه الحجة فلا شيء عليه ....
" إهـ ، فمن كلمة " أئمة
المسلمين " والتي يقصد بها الحارث وعبد الجبار يمكن أن نستشف أن الحارث كان
إماما مبايعا من قبل الإباضية .
والحقيقة أن الشماخي في سيره صرح بذلك ، وذكر أن الحارث وعبد الجبار كان
أحدهما إماما والآخر قاضيا له ، إلا أنه لم يوضح أيهما الإمام وأيهما القاضي ،
وذكر أنهما قاما بناحية طرابلس على عامل مروان بن محمد ، فلم يذكر أنهما قاما على
عبد الرحمن بن حبيب ودولته الفهرية التي قضت على عامل الدولة الأموية حنظلة بن
صفوان ، ثم بعد ذلك ذكر أنهما وجدا مقتولين وسيف كل واحد في الآخر دون أن يبين
أحداث أخرى تتعلق بهما .
إلا أن هناك من الباحثين المعاصرين من
الإباضية من ذكر بعض التفصيل زيادة عما جاء في السير كالشيخ سالم بن حمد
الحارثي في العقود الفضية ، والباحث محمد علي دبوز في كتابه تاريخ المغرب الكبير ،
وأصحاب معجم أعلام الإباضية ؛ فنجد الشيخ سالم الحارثي ذكر أن أول إمامة قامت
للإباضية في المغرب في طرابلس سنة 131هـ هي
إمامة الحارث وعبد الجبار ، إلا أنه لم بين أيهما الإمام وأيهما القاضي ،
ولا كيف تمت البيعة ، وإنما اكتفى بذكر قيامهما على عامل مروان بن محمد ، والذي
زاده على ما في السير هو ذكره لعبد الرحمن بن حبيب فيقول : " ... ووجدا -
الحارث وعبد الجبار - قتيلين بعد معارك دارت بينهم وبين عبد الرحمن بن حبيب إذ
جاءهم بجيش من المغرب والبربر " إهـ .
ولكنه لم يذكر المصادر والمراجع التي استقى منها معلموماته التي ذكرها في
كتابه العقود الفضية ، إلا أنها لا تخرج عن المصادر المتداولة كالطبقات والسير
والأزهار الرياضية وأمثالها .
ونجد الباحث محمد علي دبوز ، و أصحاب معجم أعلام الإباضية يذكرون بعض
التفصيل في سيرة الحارث وعبد الجبار وأتوا ببعض ما جاء به د/ عوض خليفات كما بينا
أعلاه لما فصلنا الحديث عن الحارث وعبد الجبار ، ولمزيد من التوسع انظر تاريخ
المغرب الكبير ص411 ، و معجم أعلام الإباضية 2/119 ، 243، ترجمة رقم : 253 ،
وترجمة رقم : 536 .
وقد اختلفت المصادر هل كان الحارث إمام أحكام وعبد الجبار قاضيه ؟ أم أنهما
اشتركا في الحكم ؟ أم أن الحارث هو القاضي والإمامة كانت لعبد الجبار ، واتفقت على
أن الإمامة كانت بينهما على حيز طرابلس المغرب .
إلا أننا نجد بعض المصادر ترجح كون الحارث إمام الحرب وعبد الجبار إمام
الصلاة ، وهذا يعزز القول بأن الحارث كان إمام دفاع وعبد الجبار قاضيا له ، هذا ما
رجحه الشيخ علي يحيى معمر في كتابه الإباضية في موكب التاريخ ، الحلقة الثانية ص45
، وكذلك هذا الذي رجحه الباحث محمد علي دبوز .
إذا فالذي يظهر مما سبق من كلام الشيخ الشماخي والشيخ الحارثي والشيخ علي
يحيى معمر والباحث محمد علي دبوز وأصحاب معجم الإباضية أن الحارث كان إماما
للإباضية سواء كانت إمامة دفاع أم ظهور ، وأن إمامته كانت أول إمامة للإباضية في
المغرب والله أعلم .
مهنا بن راشد بن حمد السعدي
(1) - بحاز وآخرون ، معجم أعلام الإباضية ، ج2 ،
دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، لبنان ، ط2 : 1421هـ / 2000م ، ص119 ، رقم الترجمة
253 ـ محمد علي دبوز ، تاريخ المغرب
الكبير ، ج3 ، دار إحياء الكتب العربية ، ط1: 1383هـ / 1963م .، ص411.
(1) - نشأة الحركة الإباضية ، ص 139 ـ بالحاج بن
عدون قشار ، اللمعة المضيئة في تاريخ الإباضية ، مكتبة الضامري ، السيب ، سلطنة
عمان ، ط2 : 1411هـ / 1990م ، ص20 .
(4) - أحمد بن سعيد الدرجيني ، كتاب طبقات
المشائخ بالمغرب ، ت : إبراهيم طلاي ، ج1 ، ص24 ـ أحمد بن سعيد بن عبد الواحد
الشماخي ، كتاب السير ، ت : أحمد بن سعود السيابي ، ج1 ، وزارة التراث القومي
والثقافة ، مسقط ، سلطنة عمان ، 1407هـ / 1987م ، ص114 ـ تاريخ المغرب الكبير ، 3/413 - معجم أعلام الإباضية ، 2/119 ، 243 .
(2) - تاريخ المغرب الكبير ، 3/413 - نشأة الحركة الإباضية ، ص141 ـ معجم أعلام الإباضية ، 2/119 ، 243، ترجمة رقم
: 253 ، وترجمة رقم : 536 ـ اللمعة
المضيئة ، ص20 .
1 التعليقات:
Best Casinos in Atlantic City, NJ - MapYRO
› best-casinos-in-atlantic 용인 출장샵 › 울산광역 출장마사지 best-casinos-in-atlantic 광양 출장샵 See where 안성 출장안마 your favorite casino is located. 포천 출장안마
إرسال تعليق