بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد فهذا رد مختصر على رسالة أحد الحشوية المجسمة والتي عنونها ب لماذا تخدعوني يا قومي والتي أثار فيها بعض الشبه الكاسدة ونحن إن شاء الله سنبين كسادها وضعفها فهي والحق يقال أبطل من أن تبطل وبالله نستعين فهو نعم المعين.
قال الحشوي في رسالته :
قلتم - يا قومي- القرآن مخلوق !.... كيف تخدعوني ؟! وكلام الله صفة من صفاته ، من خلق صفات الله ؟! إن كانت صفات الله مخلوقة فذات الله إذن مخلوقة ! وإن كان القرآن مخلوقا فأنتم تصفون الله بالخرس والعجز عن الكلام.!
الرد عليه :
مما يجب أن يستقر في الأذهان عند الحديث عن خلق القرآن ، أنه لا يقصد بالقرآن علم الله بما أنزله من كتبه على رسله ، فإنه لا يماري أحد في قِدم علمه تعالى بهذه الكتب ، إلا الذين قالوا بحدوث صفاته سبحانه ، ولا يعبأ بهم ، غير أن قِدم العلم لا يقتضي قِدم المعلوم ، فالله سبحانه عليم بكلام البشر علما أزليا ، كما أنه عليم بكلامه ، وعليم بكل مخلوقاته ، فهو عليم بما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون ، ولكن لا يستلزم ذلك قِدم شيء من هذه المعلومات بحال ، ولذلك قال بعض السلف القرآن حادث ، وعلم الله به قديم ، وفي هذا يقول المحقق الخليلي رحمه الله : "وقد كان علم الله الذي هو من صفات ذاته ولا توراة معه ولا إنجيل ، ولا زبور ولا صحف ولا قرآن ، وهو الآن على ما هو عليه كان ، لأن الصفات الذاتية لا يجوز عليها التكثر ولا التبديل ، ولا التغير أصلا ، وإنما تختلف آثارها ومدلولاتها وتكثر أو تقل بحسب التجدد والحدوث معلوماتها ، والآثار كلها مخلوقة ، قال الله تعالى (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها) انتهى كلامه رحمه الله.
وممن صرح بخلقه من الأشعرية الفخر الرازي ، وحكى غير مرة اتفاق العقلاء عليه ، ومن ذلك قوله في مقدمة تفسيره الكبير : "الكلام الذي هو متركب من الحروف والأصوات ، فإنه يمتنع في بديهة العقل كونه قديما لوجهين
أن الكلمة لا تكون كلمة إلا إذا كانت حروفها متوالية ، فالسابق المنقضي محدث لأن ما ثبت عدمه امتنع قدمه ، والآتي الحادث بعد انقضاء الأول لاشك أنه حادث.
الأول
أن الحروف التي منها تألفت الكلمة إن حصلت دفعة واحدة لم تحصل الكلمة لأن الكلمة الثلاثية يمكن وقوعها على التقاليب الستة ، فلو حصلت الحروف معا لم يكن وقوعها على بعض تلك الوجوه أولى من وقوعها على سائرها ، ولو حصلت على التعاقب كانت حادثة"
الثاني
وقال في تفسيره سورة الأعراف : "الناس مختلفون في كلام الله تعالى ، فمنهم من قال كلامه عبارة عن الحروف المؤلفة المنتظمة ، ومنهم من قال كلامه صفة حقيقة مغايرة للحروف والأصوات ، أما القائلون بالقول الأول فالعقلاء المحصلون اتفقوا على أنه يجب كونه حادثا كائنا بعد أن لم يكن ، وزعمت الحنابلة والحشوية أن الكلام المركب من الحروف والأصوات قديم ، وهذا القول أخس من أن يلتفت العاقل إليه" .
وبالغ الفخر في تفسيره لسورة الشورى النكير على الحنابلة القائلين بقدم الحروف القرآنية حيث قال : "وهؤلاء أخس من أن يُذكروا في زمرة العقلاء ، واتفق أني قلت يوما لبعضهم ، لو تكلم الله بهذه الحروف ، إما أن يتكلم بها دفعة واحدة أو على التعاقب والتوالي ، والأول باطل لأن التكلم بجملة هذه الحروف دفعة واحدة لا يفيد هذا النظم المركب على التعاقب والتوالي فوجب أن لا يكون هذا النظم المركب من هذه الحروف المتوالية كلام الله تعالى ، والثاني باطل لأنه تعالى لو تكلم بها على التوالي والتعاقب كانت محدثة ، ولما سمع ذلك الرجل هذا الكلام قال الواجب علينا أن نقر ونمر ، يعني نقر بأن القرآن قديم ونمر على هذا الكلام على وفق ما سمعناه ، فتعجبت من سلامة قلب ذلك القائل"
ثم قال الفخر : "قد أطبقوا على أن هذه الحروف والأصوات كائنة بعد أن لم تكن ، حاصلة بعد أن كانت معدومة ، ثم اختلفت عباراتهم في أنها هل هي مخلوقة أو لا يقال ذلك بل يقال إنها حادثة أو يعبر عنها بعبارة أخرى ؟ ".
ونجد الإمام ابن عاشور في تفسيره لسورة النساء يقول - بعد حديثه عن كلام الله المنزل بواسطة الملك على الرسل المسمى بالقرآن ، وبالتوراة وبالإنجيل وبالزبور - وهذا لا يمتري في حدوثه من له نصيب من العلم في الدين ، ولكن أمسك بعض أئمة الإسلام عن التصريح بحدوثه أو بكونه مخلوقا في مجالس المناظرة التي غشيتها العامة أو ظلمة المكابرة ، والتحفز إلى النبز والأذى دفعا للإيهام وإبقاء على النسبة إلى الإسلام ، وتنصلا من غوغاء الطغام"
أما بعد فهذا رد مختصر على رسالة أحد الحشوية المجسمة والتي عنونها ب لماذا تخدعوني يا قومي والتي أثار فيها بعض الشبه الكاسدة ونحن إن شاء الله سنبين كسادها وضعفها فهي والحق يقال أبطل من أن تبطل وبالله نستعين فهو نعم المعين.
قال الحشوي في رسالته :
قلتم - يا قومي- القرآن مخلوق !.... كيف تخدعوني ؟! وكلام الله صفة من صفاته ، من خلق صفات الله ؟! إن كانت صفات الله مخلوقة فذات الله إذن مخلوقة ! وإن كان القرآن مخلوقا فأنتم تصفون الله بالخرس والعجز عن الكلام.!
الرد عليه :
مما يجب أن يستقر في الأذهان عند الحديث عن خلق القرآن ، أنه لا يقصد بالقرآن علم الله بما أنزله من كتبه على رسله ، فإنه لا يماري أحد في قِدم علمه تعالى بهذه الكتب ، إلا الذين قالوا بحدوث صفاته سبحانه ، ولا يعبأ بهم ، غير أن قِدم العلم لا يقتضي قِدم المعلوم ، فالله سبحانه عليم بكلام البشر علما أزليا ، كما أنه عليم بكلامه ، وعليم بكل مخلوقاته ، فهو عليم بما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون ، ولكن لا يستلزم ذلك قِدم شيء من هذه المعلومات بحال ، ولذلك قال بعض السلف القرآن حادث ، وعلم الله به قديم ، وفي هذا يقول المحقق الخليلي رحمه الله : "وقد كان علم الله الذي هو من صفات ذاته ولا توراة معه ولا إنجيل ، ولا زبور ولا صحف ولا قرآن ، وهو الآن على ما هو عليه كان ، لأن الصفات الذاتية لا يجوز عليها التكثر ولا التبديل ، ولا التغير أصلا ، وإنما تختلف آثارها ومدلولاتها وتكثر أو تقل بحسب التجدد والحدوث معلوماتها ، والآثار كلها مخلوقة ، قال الله تعالى (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها) انتهى كلامه رحمه الله.
وممن صرح بخلقه من الأشعرية الفخر الرازي ، وحكى غير مرة اتفاق العقلاء عليه ، ومن ذلك قوله في مقدمة تفسيره الكبير : "الكلام الذي هو متركب من الحروف والأصوات ، فإنه يمتنع في بديهة العقل كونه قديما لوجهين
أن الكلمة لا تكون كلمة إلا إذا كانت حروفها متوالية ، فالسابق المنقضي محدث لأن ما ثبت عدمه امتنع قدمه ، والآتي الحادث بعد انقضاء الأول لاشك أنه حادث.
الأول
أن الحروف التي منها تألفت الكلمة إن حصلت دفعة واحدة لم تحصل الكلمة لأن الكلمة الثلاثية يمكن وقوعها على التقاليب الستة ، فلو حصلت الحروف معا لم يكن وقوعها على بعض تلك الوجوه أولى من وقوعها على سائرها ، ولو حصلت على التعاقب كانت حادثة"
الثاني
وقال في تفسيره سورة الأعراف : "الناس مختلفون في كلام الله تعالى ، فمنهم من قال كلامه عبارة عن الحروف المؤلفة المنتظمة ، ومنهم من قال كلامه صفة حقيقة مغايرة للحروف والأصوات ، أما القائلون بالقول الأول فالعقلاء المحصلون اتفقوا على أنه يجب كونه حادثا كائنا بعد أن لم يكن ، وزعمت الحنابلة والحشوية أن الكلام المركب من الحروف والأصوات قديم ، وهذا القول أخس من أن يلتفت العاقل إليه" .
وبالغ الفخر في تفسيره لسورة الشورى النكير على الحنابلة القائلين بقدم الحروف القرآنية حيث قال : "وهؤلاء أخس من أن يُذكروا في زمرة العقلاء ، واتفق أني قلت يوما لبعضهم ، لو تكلم الله بهذه الحروف ، إما أن يتكلم بها دفعة واحدة أو على التعاقب والتوالي ، والأول باطل لأن التكلم بجملة هذه الحروف دفعة واحدة لا يفيد هذا النظم المركب على التعاقب والتوالي فوجب أن لا يكون هذا النظم المركب من هذه الحروف المتوالية كلام الله تعالى ، والثاني باطل لأنه تعالى لو تكلم بها على التوالي والتعاقب كانت محدثة ، ولما سمع ذلك الرجل هذا الكلام قال الواجب علينا أن نقر ونمر ، يعني نقر بأن القرآن قديم ونمر على هذا الكلام على وفق ما سمعناه ، فتعجبت من سلامة قلب ذلك القائل"
ثم قال الفخر : "قد أطبقوا على أن هذه الحروف والأصوات كائنة بعد أن لم تكن ، حاصلة بعد أن كانت معدومة ، ثم اختلفت عباراتهم في أنها هل هي مخلوقة أو لا يقال ذلك بل يقال إنها حادثة أو يعبر عنها بعبارة أخرى ؟ ".
ونجد الإمام ابن عاشور في تفسيره لسورة النساء يقول - بعد حديثه عن كلام الله المنزل بواسطة الملك على الرسل المسمى بالقرآن ، وبالتوراة وبالإنجيل وبالزبور - وهذا لا يمتري في حدوثه من له نصيب من العلم في الدين ، ولكن أمسك بعض أئمة الإسلام عن التصريح بحدوثه أو بكونه مخلوقا في مجالس المناظرة التي غشيتها العامة أو ظلمة المكابرة ، والتحفز إلى النبز والأذى دفعا للإيهام وإبقاء على النسبة إلى الإسلام ، وتنصلا من غوغاء الطغام"
وهناك أدلة نقلية وعقلية استدل بها من قال بخلق
القرآن:
الأدلة النقلية على ذلك:
1- قال تعالى : (خالق كل شيء) ، ووجه الاستدلال به أن القرآن إما أن يكون شيئاً أو لا شيء فإن لم يكن شيئاً فعلامَ الاختلاف إن كان المختلَف عليه معدوماً ؟ وما الذي أنزله الله وفصَّله وأحكمه إن كان ذلك غير واقع على شيء ؟ وإن كان شيئاً فما الذي يخرجه من هذا العموم ؟
فإن قيل : إن إجراء عموم الآية على كل شيء يستلزم أن يكون الله خالقاً لذاته وصفاته ، فجوابه أنه استحال عقلاً ونقلاً دخول الذات العلية في هذا العموم ، وقد عدَّ الأصوليون هذا التخصيص من باب التخصيص العقلي ، وصفاته تعالى كذاته في ذلك ، لاستحالة عدمها لِمَا يترتب عليه من وجود أضدادها تعالى الله عن ذلك .
فإن قيل والكلام صفة من هذه الصفات فلماذا لم تستثنوه كما استثنيتموها من عمـوم الآية ؟
أجيب بأن كلامنا ليس في الكلام النفسي الذي هو صفة ذاتية لله عز وجل والذي تثبت بثبوته قدرته تعالى على الكلام ، وإنما كلامنا في كلام منزل متركب من الحروف تتلوه الألسن وتسمعه الآذان وتعيه العقول وتختزنه الأذهان ، ويدون في الصحف وهل لذلك مثيل من صفاته تعالى الذاتية ؟ .
2- قوله تعالى : (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) ، وهذا الوصف ظاهر في القرآن فإنه مقدرة سوره وآياته وجمله وكلماته ، وحروفه وحركاته ، وتلاوته ومعانيه ، وحكمه وأحكامه ، وأخباره ، وأمثاله .
3- قوله تعالى : (إنا كل شيء خلقناه بقدر) ، وهذا كالذي قبله .
4- قوله تعالى : (إنا جعلناه قرآناً عربيًّا لعلكم تعقلون) ، والاستدلال به على خلقه من وجهين :
ـ أولهما : الإخبار عنه أنه مجعول والمجعول هو المُصَيَّر من حال إلى حال ، وهذا لا يكون إلا في المخلوق .
ـ ثانيهما : تعليل جعله عربياًّ بقصد عقل المخاطبين له . ومثل هذه الآية سائر الآيات الناصة على أنه مجعول كقوله تعالى : (ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا)
وقد شرح حجية الجعل على ثبوت الخلق الإمام محمد بن أفلح رضي الله عنه بقوله : ( إن الأمة اجتمعت على أن كل فاعل قبل فعله ، وأن الجاعل قبل المجعول وأن الصانع قبل صنعه ، وأن الجاعل غير المجعول ، فلما ثبت بينهما التغاير والقَبْل صح أنهما شيئان ، وأن الأول المتقدم هو الجاعل القديم ، والثاني المجعول هو الحادث الكائن بعد أن لم يكن )
واستدل على أن الجعل إذا أسند إلى الله كان بمعنى الخلق بكثير من الآيات الدالة عليه كقوله تعالى : (وجعل الظلمات والنور) ، وقوله : (وجعل منها زوجها) ، وقوله : (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوه فيه والنهار مبصرا) ، وقوله : (أمَّن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا) ، وقوله : (وجعل لكم من الجبال أكناناً) ، وقوله : (وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون) ، وقوله : (وجعـل الشمس سراجا) ، وقوله : (وجعلنا الليل والنهار آيتين).
ومثلها في ذلك قوله : (ألم نجعل الأرض كفاتا) ، وقوله : (ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتاداً وخلقناكم أزواجاً وجعلنا نومكم سباتاً وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً) ، إلى غيرها من الآيات .
قال الإمام أبو اليقظان محمد بن أفلح رحمه الله : ( فمعنى جعلنا في هذه المواضع التي ذكرنا ، خلقنا ، وكذلك عند المعارض غير ما ذكرناه في القرآن فإنه زعم أن الجعل فيه غير الخلق ، ولو جاز له وساغ ذلك لجاز لمعارض أن يعارضه ويقول وكذلك قوله في غير القرآن من الجعل الذي اتفقنا وإياكم عليه أنه بمعنى الخلق هو بمعنى آخر غير الخلق ، وإلا فما الفرق بين الجعلين ؟ فيكون الله عز وجل خاطب العرب بما لا يعقلونه من كلامهم ولا يعرفونه من لغتهم ، وبما يجوز لهم فيه الشك ( والطعن والارتياب ، فيكون جعل في موضع خلق وأحدث ودبَّر ، وفي موضع لمعنى آخر لا نفهمه ولا ندريه ، وهـذا لا يوصف الحكيـم به )
فلما اتفقنا وهم على أن الجعل في قوله : (وجعل الشمس سراجاً) ، وقوله : (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) ، وفي قوله : (جعل لكم من أنفسكم أزواجاً) ، وفي قوله : (وجعل الظلمات والنور) بمعنى الخلق . صار الجعل كله إذا كان من الله عز وجل بمعنى الخلق فيدخل في ذلك القرآن وغيره ، وإلا بطلت المناظرة ولم يصح الشاهد .
فإن عارضوا بقول الله عز وجل : (ما جعل الله من بحيرة .. الآية) ، فيقال نعم لم يخلق الله البحيرة بحيرة كما زعمتم ولا السائبة سائبة كما زعمتم ، وإنما نفى عن نفسه ما لم يفعله كما زعم المشركون فذمَّهُم بابتداعهم ، ومعناه ما خلقنا كما وصفتم ، إنما خلقنا على غير ما وصفتم ، فوقع النفي هنا على نفس الوصف لا على نفس الخلق .
وكذلك قوله : (إني جاعلك للناس إماماً) ، أي خالق فيك الصفة التي لم تكن فيك والمعنى الذي لم يوجد فيك ، ولم أكن فعلته بك قبل ذلك ، فمعنى جعل أينما وجد ، خلق ودبَّر ، وأحدث وأنشأ ، وفعل وصنع ، وكل ذلك بمعنى واحد ، وإن اختلفت ألفاظه).
الأدلة النقلية على ذلك:
1- قال تعالى : (خالق كل شيء) ، ووجه الاستدلال به أن القرآن إما أن يكون شيئاً أو لا شيء فإن لم يكن شيئاً فعلامَ الاختلاف إن كان المختلَف عليه معدوماً ؟ وما الذي أنزله الله وفصَّله وأحكمه إن كان ذلك غير واقع على شيء ؟ وإن كان شيئاً فما الذي يخرجه من هذا العموم ؟
فإن قيل : إن إجراء عموم الآية على كل شيء يستلزم أن يكون الله خالقاً لذاته وصفاته ، فجوابه أنه استحال عقلاً ونقلاً دخول الذات العلية في هذا العموم ، وقد عدَّ الأصوليون هذا التخصيص من باب التخصيص العقلي ، وصفاته تعالى كذاته في ذلك ، لاستحالة عدمها لِمَا يترتب عليه من وجود أضدادها تعالى الله عن ذلك .
فإن قيل والكلام صفة من هذه الصفات فلماذا لم تستثنوه كما استثنيتموها من عمـوم الآية ؟
أجيب بأن كلامنا ليس في الكلام النفسي الذي هو صفة ذاتية لله عز وجل والذي تثبت بثبوته قدرته تعالى على الكلام ، وإنما كلامنا في كلام منزل متركب من الحروف تتلوه الألسن وتسمعه الآذان وتعيه العقول وتختزنه الأذهان ، ويدون في الصحف وهل لذلك مثيل من صفاته تعالى الذاتية ؟ .
2- قوله تعالى : (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) ، وهذا الوصف ظاهر في القرآن فإنه مقدرة سوره وآياته وجمله وكلماته ، وحروفه وحركاته ، وتلاوته ومعانيه ، وحكمه وأحكامه ، وأخباره ، وأمثاله .
3- قوله تعالى : (إنا كل شيء خلقناه بقدر) ، وهذا كالذي قبله .
4- قوله تعالى : (إنا جعلناه قرآناً عربيًّا لعلكم تعقلون) ، والاستدلال به على خلقه من وجهين :
ـ أولهما : الإخبار عنه أنه مجعول والمجعول هو المُصَيَّر من حال إلى حال ، وهذا لا يكون إلا في المخلوق .
ـ ثانيهما : تعليل جعله عربياًّ بقصد عقل المخاطبين له . ومثل هذه الآية سائر الآيات الناصة على أنه مجعول كقوله تعالى : (ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا)
وقد شرح حجية الجعل على ثبوت الخلق الإمام محمد بن أفلح رضي الله عنه بقوله : ( إن الأمة اجتمعت على أن كل فاعل قبل فعله ، وأن الجاعل قبل المجعول وأن الصانع قبل صنعه ، وأن الجاعل غير المجعول ، فلما ثبت بينهما التغاير والقَبْل صح أنهما شيئان ، وأن الأول المتقدم هو الجاعل القديم ، والثاني المجعول هو الحادث الكائن بعد أن لم يكن )
واستدل على أن الجعل إذا أسند إلى الله كان بمعنى الخلق بكثير من الآيات الدالة عليه كقوله تعالى : (وجعل الظلمات والنور) ، وقوله : (وجعل منها زوجها) ، وقوله : (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوه فيه والنهار مبصرا) ، وقوله : (أمَّن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا) ، وقوله : (وجعل لكم من الجبال أكناناً) ، وقوله : (وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون) ، وقوله : (وجعـل الشمس سراجا) ، وقوله : (وجعلنا الليل والنهار آيتين).
ومثلها في ذلك قوله : (ألم نجعل الأرض كفاتا) ، وقوله : (ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتاداً وخلقناكم أزواجاً وجعلنا نومكم سباتاً وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً) ، إلى غيرها من الآيات .
قال الإمام أبو اليقظان محمد بن أفلح رحمه الله : ( فمعنى جعلنا في هذه المواضع التي ذكرنا ، خلقنا ، وكذلك عند المعارض غير ما ذكرناه في القرآن فإنه زعم أن الجعل فيه غير الخلق ، ولو جاز له وساغ ذلك لجاز لمعارض أن يعارضه ويقول وكذلك قوله في غير القرآن من الجعل الذي اتفقنا وإياكم عليه أنه بمعنى الخلق هو بمعنى آخر غير الخلق ، وإلا فما الفرق بين الجعلين ؟ فيكون الله عز وجل خاطب العرب بما لا يعقلونه من كلامهم ولا يعرفونه من لغتهم ، وبما يجوز لهم فيه الشك ( والطعن والارتياب ، فيكون جعل في موضع خلق وأحدث ودبَّر ، وفي موضع لمعنى آخر لا نفهمه ولا ندريه ، وهـذا لا يوصف الحكيـم به )
فلما اتفقنا وهم على أن الجعل في قوله : (وجعل الشمس سراجاً) ، وقوله : (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) ، وفي قوله : (جعل لكم من أنفسكم أزواجاً) ، وفي قوله : (وجعل الظلمات والنور) بمعنى الخلق . صار الجعل كله إذا كان من الله عز وجل بمعنى الخلق فيدخل في ذلك القرآن وغيره ، وإلا بطلت المناظرة ولم يصح الشاهد .
فإن عارضوا بقول الله عز وجل : (ما جعل الله من بحيرة .. الآية) ، فيقال نعم لم يخلق الله البحيرة بحيرة كما زعمتم ولا السائبة سائبة كما زعمتم ، وإنما نفى عن نفسه ما لم يفعله كما زعم المشركون فذمَّهُم بابتداعهم ، ومعناه ما خلقنا كما وصفتم ، إنما خلقنا على غير ما وصفتم ، فوقع النفي هنا على نفس الوصف لا على نفس الخلق .
وكذلك قوله : (إني جاعلك للناس إماماً) ، أي خالق فيك الصفة التي لم تكن فيك والمعنى الذي لم يوجد فيك ، ولم أكن فعلته بك قبل ذلك ، فمعنى جعل أينما وجد ، خلق ودبَّر ، وأحدث وأنشأ ، وفعل وصنع ، وكل ذلك بمعنى واحد ، وإن اختلفت ألفاظه).
والجعل المسند إلى الله في القرآن ، لا يخرج عن أمرين ، إما أن يكون تكوينيًّا
، وإما أن يكون تشريعيًّا ، وفي كل منهما إنشاء ، لما لم يكن ، فالجعل التكويني
نحو قوله تعالى : (وجعل منها زوجها) ، وقوله : (وجعل لكم من الفلك والأنعام ما
تركبون) ، وقوله : (وجعل الشمس سراجا) ، ومعنى الإحداث فيه ظاهر .
والجعل التشريعي نحو قوله : (إني جاعلك للناس إماماً) ، ومنه الجعل المنفي في قوله تعالى : (ما جعل الله من بحيرة) أي ما شرع بَحْرَهَا ، ومن الجعل التشريعي قوله تعالى : (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممَّن ينقلب على عقبيه)
والفرق بين الجعلين أن أولهما هو إحداث ذات الشيء المجعول أو صفة قائمة به لم تكن موجودة من قبل ، وذلك يقتضي إخراج المجعول من حالة إلى أخرى أو من صفة إلى غيرها ، وهذا حاصل فيما إذا أسند الجعل إلى الإنسان وكان بمعنى التَّصيير ، نحو جعلتُ العجينَ خُبْزاً ، والدقيق عجيناً ، فإنه في كليهما نقل للمجعول من حالة إلى حالة لم يكن عليها من قبل ، فالدقيق قبل أن يجعل عجيناً لم يكن عجيناً ، والعجين قبل أن يجعل خبزاً لم يكن خبزاً ، ولا يفهم منه إلا أن المجعول تحول بعد الجعل عما كان عليه قبله.
والثاني إحداث شرع ينقل المجعول من حكم إلى آخر ككون البيت الحرام قبلة للمسلمين بعد ما كان بيت المقدس قبلتهم .
وجعل القرآن عربيا هو الجعل التكويني لأنه إحداث لمعنى قائم بالقرآن ، وهو عربيته ، ولا يخلو ذلك إما أن يكون تحويلاً له من وصف إلى آخر ، وذلك بأن يكون أولاً غير عربي ثم أحدث الله فيه هذه الصفة ، وإما أن يكون إنشاء له على هذه الصفة من أول الأمر ، كما أنشأ الله الشمس متلبسة بوصف كونها سراجاً ، وكما أنشأ الله الليل متلبساً بوصف كونه لباساً ، وأنشأ النهار متلبساً بوصف كونه معاشاً ، وهذا هو المتعين في القرآن ، لعدم ما يدل على أنه كان غير عربي من قبل ثم نقله الله إلى العربية .
أما أن يكون كلاماً عربيا منذ الأزل ويتعدى إليه فعل الجعل فهو غير جائز عقلاً ولا لغة ، لأن الجعل فعل والفعل سابق على المفعول ، فهو سابق على المجعول قطعاً .
ومثل ذلك يقال في قوله سبحانه : (ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء مـن عبادنا)
وهذا يظهر بداهة لمن أمعن نظره في معنى الجعل ، وفكر في صفات الله تعالى الأزلية الواجبة ، وعدم إمكان تعدي الجعل إليها فإنه من المستحيل عقلاً الممتنع شرعاً أن يقول قائل جعل الله علمه محيطاً بكل شيء ، أو قدرته شاملة لكل شيء ، أو جعل الله وجوده أزليا أبديا ، أو جعل سمعه مدركأ لجميع الأصوات ، أو جعل بصره محيطاً بكل المرئيات ، لما في هذه العبارات من اقتضاء أن يكون الله محدثاً لهذه الصفات .
واعترض على الاستدلال بجعل القرآن عربيا على خلقه بأن الجعل يكون بمعنى غير الخلق ، كما في قوله عز وجل : (ويجعلون لله البنات سبحانه)
، وقوله : (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا) وقوله : (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون)
وجوابه شتان بين الجعلين وبين الجاعلين ، فالجعل فيما نحن بصدده فعل ثابت مسند إلى الله تعالى من أنكره أو أنكر أثرهُ فقد كفر ، والمجعول - وهو عربية القرآن ونورانيته وهدايته - حقيقة قائمة من أنكرها فقد كفر ، والجعل فيما اعترضوا به هو قول باطل مسند إلى الكفار ، والمجعول - وهو أنوثة الملائكة - ليس بشيء بل يكفر من يثبته ، ولا إشكال في اتحاد حروف الفعل في كلا الإسنادين - وهي الجيم والعين واللام - فإن الفعل يسند إلى الله فيكون له معنى ، ويسند إلى غيره فيكون له معنى آخر مع عدم التفاوت في اللفظ ، ومثل ذلك قوله تعالى : ( الذي خلقكم والذين من قبلكم) ، وقوله : (والله خلقكم وما تعملون) ، وقوله : (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) ، وقوله : (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ، ونحوها من الآيات المسند فيها الخلق إلى الله عز وجل ، فهو جميعه بمعنى الإخراج من العدم إلى الوجود ، وتجد هذا الفعل بلفظه ونفس حروفه مسنداً إلى الكفار ، وله معنى لا يليق بعباد الله الصالحين فضلاً عن جوازه على الله تعالى رب العالمين ، وذلك في قوله سبحانه : (وتخلقون إفكاً) ، فهل من وجهٍ لحمله في أحد الموضعين على معناه في الموضع الآخر ؟ أو أن المقارنة بين الفعلين مستحيلة كاستحالة المقارنة بين الفاعلين ؟ .
والجعل التشريعي نحو قوله : (إني جاعلك للناس إماماً) ، ومنه الجعل المنفي في قوله تعالى : (ما جعل الله من بحيرة) أي ما شرع بَحْرَهَا ، ومن الجعل التشريعي قوله تعالى : (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممَّن ينقلب على عقبيه)
والفرق بين الجعلين أن أولهما هو إحداث ذات الشيء المجعول أو صفة قائمة به لم تكن موجودة من قبل ، وذلك يقتضي إخراج المجعول من حالة إلى أخرى أو من صفة إلى غيرها ، وهذا حاصل فيما إذا أسند الجعل إلى الإنسان وكان بمعنى التَّصيير ، نحو جعلتُ العجينَ خُبْزاً ، والدقيق عجيناً ، فإنه في كليهما نقل للمجعول من حالة إلى حالة لم يكن عليها من قبل ، فالدقيق قبل أن يجعل عجيناً لم يكن عجيناً ، والعجين قبل أن يجعل خبزاً لم يكن خبزاً ، ولا يفهم منه إلا أن المجعول تحول بعد الجعل عما كان عليه قبله.
والثاني إحداث شرع ينقل المجعول من حكم إلى آخر ككون البيت الحرام قبلة للمسلمين بعد ما كان بيت المقدس قبلتهم .
وجعل القرآن عربيا هو الجعل التكويني لأنه إحداث لمعنى قائم بالقرآن ، وهو عربيته ، ولا يخلو ذلك إما أن يكون تحويلاً له من وصف إلى آخر ، وذلك بأن يكون أولاً غير عربي ثم أحدث الله فيه هذه الصفة ، وإما أن يكون إنشاء له على هذه الصفة من أول الأمر ، كما أنشأ الله الشمس متلبسة بوصف كونها سراجاً ، وكما أنشأ الله الليل متلبساً بوصف كونه لباساً ، وأنشأ النهار متلبساً بوصف كونه معاشاً ، وهذا هو المتعين في القرآن ، لعدم ما يدل على أنه كان غير عربي من قبل ثم نقله الله إلى العربية .
أما أن يكون كلاماً عربيا منذ الأزل ويتعدى إليه فعل الجعل فهو غير جائز عقلاً ولا لغة ، لأن الجعل فعل والفعل سابق على المفعول ، فهو سابق على المجعول قطعاً .
ومثل ذلك يقال في قوله سبحانه : (ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء مـن عبادنا)
وهذا يظهر بداهة لمن أمعن نظره في معنى الجعل ، وفكر في صفات الله تعالى الأزلية الواجبة ، وعدم إمكان تعدي الجعل إليها فإنه من المستحيل عقلاً الممتنع شرعاً أن يقول قائل جعل الله علمه محيطاً بكل شيء ، أو قدرته شاملة لكل شيء ، أو جعل الله وجوده أزليا أبديا ، أو جعل سمعه مدركأ لجميع الأصوات ، أو جعل بصره محيطاً بكل المرئيات ، لما في هذه العبارات من اقتضاء أن يكون الله محدثاً لهذه الصفات .
واعترض على الاستدلال بجعل القرآن عربيا على خلقه بأن الجعل يكون بمعنى غير الخلق ، كما في قوله عز وجل : (ويجعلون لله البنات سبحانه)
، وقوله : (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا) وقوله : (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون)
وجوابه شتان بين الجعلين وبين الجاعلين ، فالجعل فيما نحن بصدده فعل ثابت مسند إلى الله تعالى من أنكره أو أنكر أثرهُ فقد كفر ، والمجعول - وهو عربية القرآن ونورانيته وهدايته - حقيقة قائمة من أنكرها فقد كفر ، والجعل فيما اعترضوا به هو قول باطل مسند إلى الكفار ، والمجعول - وهو أنوثة الملائكة - ليس بشيء بل يكفر من يثبته ، ولا إشكال في اتحاد حروف الفعل في كلا الإسنادين - وهي الجيم والعين واللام - فإن الفعل يسند إلى الله فيكون له معنى ، ويسند إلى غيره فيكون له معنى آخر مع عدم التفاوت في اللفظ ، ومثل ذلك قوله تعالى : ( الذي خلقكم والذين من قبلكم) ، وقوله : (والله خلقكم وما تعملون) ، وقوله : (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) ، وقوله : (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ، ونحوها من الآيات المسند فيها الخلق إلى الله عز وجل ، فهو جميعه بمعنى الإخراج من العدم إلى الوجود ، وتجد هذا الفعل بلفظه ونفس حروفه مسنداً إلى الكفار ، وله معنى لا يليق بعباد الله الصالحين فضلاً عن جوازه على الله تعالى رب العالمين ، وذلك في قوله سبحانه : (وتخلقون إفكاً) ، فهل من وجهٍ لحمله في أحد الموضعين على معناه في الموضع الآخر ؟ أو أن المقارنة بين الفعلين مستحيلة كاستحالة المقارنة بين الفاعلين ؟ .
5- قوله تعالى : (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) ، ومثله قوله : (وَمَا يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين) ، ووجه الاستدلال بالآيتين وصف الذكر فيهما بالإحداث وهو الخلق ، ولا ريب أن الذكر لم يقصد به فيهما غير القرآن بدليل قوله تعالى : (وما هو إلا ذكر للعالمين) ، وقوله : (إن هو إلا ذكر للعالمين) ، وقوله : (إنا نحن نزلنا الذكر) ، وقوله : (وإنه لذكر لك ولقومك) ، وقوله : (والقرآن ذي الذكر) ، وقوله : (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) ، وقوله : (وهذا ذكر مبارك أنزلناه)
والقائلون بقِدم القرآن سلكوا طريقين في ردهم استدلال القائلين بخلقه بآيتي الأنبياء والشعراء ، فالقائلون منهم بقِدم حروفه وكلماته ذهبوا إلى أن المراد بالإحداث فيهما هو إحداث التنزيل متى شاء الله ذلك كما تقتضيه حكمته ، ومعنى ذلك أن المحدث تنزيل الكتاب لا ذات الكتاب ، وعبر بعضهم عنه بأن المراد بالإحداث تجدده ، والمفرقون منهم بين القرآن وما يتلى ويدون في المصاحف من الأحرف والكلمات قالوا : إن المحدث هو الأحرف والكلمات ، وهي عبارة عن القرآن الذي هو صفة أزلية قائمة بذاته عز وجل وحكاية له ، وكلا القولين مردود .
أما الأول : فيبطله أن المحدث هو الذي وقع عليه فعل المحدث - بالكسر - ويشترط فيه أن يكون مسبوقاً بالفاعل والفعل ، والإحداث هو الإيجاد بعد العدم ، وحمل الإحداث على أنه بمعنى الإنزال خروج عن الظاهر لغير داع سوى جعل ما في نفس القائل من الفكرة هو الأصل الذي ترد إليه النصوص وتحمل عليه الأدلة ، وما أعظمها من مصيبة في الدين على أن نقول إن نفس الإنزال إحالة للمنزل من حالة إلى حال ، وهي دالة على الحدوث لأمرين
أولهما : أن القديم لا يتحول عن أصله ولا تعتريه العوارض
ثانيهما : أنه لا يكون لأحد عليه سلطان ، لأنه غير معلول بعلة ولا مسبب بسبب
وأما الثاني : فيرده أن إثبات صفة لله تعالى تسمى قرآناً غير ما أنزل على الشارع الأمين عليه أفضل الصلاة والتسليم دعوى لم يقم عليها برهان ، وقد اعترض الإمام أبو اليقظان رحمه الله تعالى دعواهم هذه بقوله : ( لا تخلو الحكاية من أن تكون مخالفة للمحكي أو موافقة له ، فإن كانت موافقة له فكيف يكون شيئان متفقان ، واحد مخلوق والآخر غير وخلوق ، وقد اجتمعت الأمة على أن ما جاز في الشيء جاز في نظيره وإلا بطل ما اجتمعت عليه الأمة إذاً ، وإن قال إن الحكاية غير المحكي وهي خلاف له ، فهذا أغرب وأبعد ما يكون من الصواب ، وذلك خروج من لسان الأمة وجميع الأمم ، لأن الحكاية لا تكون حكاية للشيء إلا وهي مثل المحكي معبرة عنه بما هو به ، ولو أمكن خلاف ما نقول من أن الحكاية غير المحكي لوجب على كل الأخبار الكاذبة أن تكون صادقة ، وعلى الأخبار الصادقة أن تكون كاذبة ، ويكون الشعر أيضاً حكاية القرآن ، والقرآن حكاية الشعر ، والمدح حكاية الذم ، والذم حكاية المدح ، ولا ينبغي أن ننكر خبراً ونكذب مخبراً ، ونرد حكاية أو ننكر مقالة ، وإذا أمكن هذا وجاز فمن أين كان الصدق صدقاً ، والكذب كذباً ؟ ولعمري لئن كانت الحكاية خلاف المحكي لينبغي أن يكون الصدق هو الكذب والكذب هو الصدق ، فكما بطل هذا وفسد ، صح أن الحكاية لا تكون خلاف المحكي ) .
وأيضاً أخبرونا حيث كانت الحكاية غير المحكي فما القرآن أهو الحكاية أم المحكي ؟ فإن كان القرآن الذي أنزله الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، ونزل به الروح الأمين إليه هو هذه الحكاية وهو مخالف فإنا لم يقع كلامنا معهم إلا على القرآن الذي نزل به الروح الأمين على قلب محمد وهو الذي قال فيه : (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه . ثم إن علينا بيانه) ، وإن كان القرآن هو المحكي وهو القائم بذاته عز وجل ، فهو لم ينزل بعد ، ضاهوا بذلك قول ابن صوريا حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أنزل الله على بشر من شيء) فأنكروا نزول القرآن وهذا أعجب من العجب .
وقد وقع الاجتماع منا ومنهم أن ما في الدنيا وما نقرأ من القرآن هو مثال مما قرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هي قراءته وقرأناه على الموافقة له ، ولو كان خلافه كما قالوا من أن الحكاية غير المحكي لكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أتى بخلاف ما أتى به جبريل عليه السلام ، وكذلك جبريل فيما أتى به ميكائيل وكذلك ميكائيل عن إسرافيل ، فيكون كل واحد منهم قد أتى بخلاف ما أتى به غيره .
وإذا قلت إن الحكاية خلاف المحكي فما نقول فيما نقله محمد عن جبريل ؟ هذا هو هذا ؟ أم هذا غير هذا ؟ فلا بد من هذا هو هذا ، أو هذا مثل هذا ، فكيف يجوز في الشيء مالا يجوز في مثله ؟ أم لا يجوز في الشيء ما جاز في مثله ، وأي تناقض أعظم وأفحش من هذا ؟ نعوذ بالله من العمى والخذلان ، ونسأله العون والتوفيق).
لا زلنا مع بيان الشبهة الأولى والتي هي في خلق
القرآن ولا زلنا في الأدلة الدالة على ذلك من القرآن الكريم.
6- قوله تعالى : (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لَّدن حكيم خبير) ، ووجه الاستدلال به أن الله وصفه فيه بالإحكام والتفصيل ، وكل منهما أثر صادر عن مؤثر ، ولا يجوز أن يكون الأثر قديماً أزلياًّ لضرورة أن يكون مؤثره سابقاً عليه ، والمسبوق حادث لأنه - بداهة - كائن بعد أن لم يكن . ولا يخلو هذا القرآن إما أن تكون كينونته مقرونة بالأحكام والتفصيل من أول أمره ، وإما أن يكونا وصفين أوجدهما الله فيه بعد أن كان عارياً منهما ، وكلا الاحتمالين مقتضٍ لخلقه وحدوثه .
أما الأول فلكون وجود الشيء مقترناً بوصف حادث من أول أمره دليلاً على حدوثه ، وبما أن الإحكام والتفصيل فعلان صادران عن الله سبحانه فلا مرية في حدوثهما ، وإلا لما جاز إسنادهما إليه عز وجل . وعليه فليس إحكامُه وتفصيله إلا بمعنى إيجاده محكماً ومفصلاً .
وأما الثاني فاقتضاؤه ذلك من حيث إن الإحكام والتفصيل أثران واقعان عليه ، والأثر ناتج عن المؤثر شاهد على تحول ما وقع عليه من حال إلى حال ، وهو مستحيل على القديم ، لعدم إمكان أن يكون لأحد عليه سلطان ، ولذلك يستحيل أن يقال أحكم الله قدرته أو فصلها ، أو أحكم علمه أو فصله لأن هذه العبارة قاضية بحدوث قدرته تعالى وعلمه ، جل الله عن ذلك ، والأول هو الذي يتعين المصير إليه ، لعدم ما يدل على أن القرآن أحكم بعد أن كان عارياً عن الإحكام ، وفصل بعد أن كان خالياً من التفصيل .
7- قوله تعالى : (ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه على علم) ، ووجه الاستدلال به على حدوث القرآن ثلاثة أمور
أولها : أن المجيء به نقل له من حال إلى حال ، وهو مستحيل في القديم كما سبق بيانه.
ثانيها : للإخبار عنه أنه مفصل وقد سبق نظيره.
ثالثها : أن تفصيله ناشئ عن علمه سبحانه ؛ والناشئ عن الشيء لابد من أن يكون مسبوقاً به.
8- قوله تعالى : (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) ، ووجه الاستدلال به أن الله سبحانه أخبر عن نسخ بعض آياته ببعض والنسخ هو المحو والإزالة ، وهو مستحيل على القديم ، واستحالته فيما إذا كان لفظيا أشد ، وقد أثبته جمهور العلماء ، وفيهم القائلون بقِدم القرآن .
9- قوله تعالى : (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) ، ووجه الاستدلال به أنه منزل ، والإنزال نقل من مكان إلى آخر ، وهو مستحيل على القديم لتعذر أن يكون لأحد عليه سلطان ، أو أن يكون متغير الأحوال ، ومثله في ذلك قوله تعالى : (نزَّل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل) ، وقوله : (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات .. الآية) ، وقوله : (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) ، وقوله : (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) ، وفي تنزيله دلالة أخرى على حدوثه ، وهي أنه نزل نجوماً فهو منقسم ، والانقسام مستحيل على القديم .
10- قوله تعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ، ووجه الاستدلال به أن الله أخبر عنه بأنه محفوظ له ، ولا يكون المحفوظ إلا مخلوقاً لاستغناء القديم عن حفظ الحافظين ، ولذلك لا يجوز أن يقال حفظ الله حياته ، أو وجوده ، أو قدرته ، أو سمعه ، أو بصره ، أو علمه مع جواز أن يقال حفظ الله كلامه إن قصد به الكـلام المنزل لا الكلام النفسي ، والآية دليل على جوازه ، وأما حديث ( احفظ الله يحفظك .. ) فالمراد به المحافظة على طاعته تعالى أمراً ونهياً ، فلا يرد على ما ذكرته .
11- قوله تعالى : (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) ، ووجه الاستدلال به أنه منقسمة آياته إلى قسمين ، محكمات ومتشابهات ، وأن المحكمات أم - أي أصل - للمتشابهات يرجع بها إليها في التأويل ، وهو مستحيل فيما كان قديماً ، فلا يجوز أن يقال إن وجوده تعالى أم لحياته ، أو إن حياته أم لقدرته ، أو إن قدرته أم لإرادته أو أن نحو ذلك ، لما يقتضيه هذا القول من حدوث الصفات ، تعالى الله عنه.
6- قوله تعالى : (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لَّدن حكيم خبير) ، ووجه الاستدلال به أن الله وصفه فيه بالإحكام والتفصيل ، وكل منهما أثر صادر عن مؤثر ، ولا يجوز أن يكون الأثر قديماً أزلياًّ لضرورة أن يكون مؤثره سابقاً عليه ، والمسبوق حادث لأنه - بداهة - كائن بعد أن لم يكن . ولا يخلو هذا القرآن إما أن تكون كينونته مقرونة بالأحكام والتفصيل من أول أمره ، وإما أن يكونا وصفين أوجدهما الله فيه بعد أن كان عارياً منهما ، وكلا الاحتمالين مقتضٍ لخلقه وحدوثه .
أما الأول فلكون وجود الشيء مقترناً بوصف حادث من أول أمره دليلاً على حدوثه ، وبما أن الإحكام والتفصيل فعلان صادران عن الله سبحانه فلا مرية في حدوثهما ، وإلا لما جاز إسنادهما إليه عز وجل . وعليه فليس إحكامُه وتفصيله إلا بمعنى إيجاده محكماً ومفصلاً .
وأما الثاني فاقتضاؤه ذلك من حيث إن الإحكام والتفصيل أثران واقعان عليه ، والأثر ناتج عن المؤثر شاهد على تحول ما وقع عليه من حال إلى حال ، وهو مستحيل على القديم ، لعدم إمكان أن يكون لأحد عليه سلطان ، ولذلك يستحيل أن يقال أحكم الله قدرته أو فصلها ، أو أحكم علمه أو فصله لأن هذه العبارة قاضية بحدوث قدرته تعالى وعلمه ، جل الله عن ذلك ، والأول هو الذي يتعين المصير إليه ، لعدم ما يدل على أن القرآن أحكم بعد أن كان عارياً عن الإحكام ، وفصل بعد أن كان خالياً من التفصيل .
7- قوله تعالى : (ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه على علم) ، ووجه الاستدلال به على حدوث القرآن ثلاثة أمور
أولها : أن المجيء به نقل له من حال إلى حال ، وهو مستحيل في القديم كما سبق بيانه.
ثانيها : للإخبار عنه أنه مفصل وقد سبق نظيره.
ثالثها : أن تفصيله ناشئ عن علمه سبحانه ؛ والناشئ عن الشيء لابد من أن يكون مسبوقاً به.
8- قوله تعالى : (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) ، ووجه الاستدلال به أن الله سبحانه أخبر عن نسخ بعض آياته ببعض والنسخ هو المحو والإزالة ، وهو مستحيل على القديم ، واستحالته فيما إذا كان لفظيا أشد ، وقد أثبته جمهور العلماء ، وفيهم القائلون بقِدم القرآن .
9- قوله تعالى : (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) ، ووجه الاستدلال به أنه منزل ، والإنزال نقل من مكان إلى آخر ، وهو مستحيل على القديم لتعذر أن يكون لأحد عليه سلطان ، أو أن يكون متغير الأحوال ، ومثله في ذلك قوله تعالى : (نزَّل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل) ، وقوله : (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات .. الآية) ، وقوله : (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) ، وقوله : (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) ، وفي تنزيله دلالة أخرى على حدوثه ، وهي أنه نزل نجوماً فهو منقسم ، والانقسام مستحيل على القديم .
10- قوله تعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ، ووجه الاستدلال به أن الله أخبر عنه بأنه محفوظ له ، ولا يكون المحفوظ إلا مخلوقاً لاستغناء القديم عن حفظ الحافظين ، ولذلك لا يجوز أن يقال حفظ الله حياته ، أو وجوده ، أو قدرته ، أو سمعه ، أو بصره ، أو علمه مع جواز أن يقال حفظ الله كلامه إن قصد به الكـلام المنزل لا الكلام النفسي ، والآية دليل على جوازه ، وأما حديث ( احفظ الله يحفظك .. ) فالمراد به المحافظة على طاعته تعالى أمراً ونهياً ، فلا يرد على ما ذكرته .
11- قوله تعالى : (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) ، ووجه الاستدلال به أنه منقسمة آياته إلى قسمين ، محكمات ومتشابهات ، وأن المحكمات أم - أي أصل - للمتشابهات يرجع بها إليها في التأويل ، وهو مستحيل فيما كان قديماً ، فلا يجوز أن يقال إن وجوده تعالى أم لحياته ، أو إن حياته أم لقدرته ، أو إن قدرته أم لإرادته أو أن نحو ذلك ، لما يقتضيه هذا القول من حدوث الصفات ، تعالى الله عنه.
ومن بين الأدلة الدالة على خلق القرآن كذلك:
12- قوله تعالى : (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)، ووجه الاستدلال به أن صدور العلماء حادثة ، والحادث لا يكون وعاء للقديم ، فلا يكون أحد من خلق الله محلاً لحياة الله ، أو قدرته ، أو علمه ، أو وجوده ، أو سمعه ، أو بصره ، أو أي صفة من صفاته ، وإنما تكون المخلوقات ، أوعية لمعلومات الله ومقدوراته ، ومرئياته ، لأنها مخلوقات مثلها .
13- قوله تعالى : (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) ، والإستدلال به من وجهين
أولهما : أن اللوح مخلوق ، والمخلوق لا يكون وعاء لغير المخلوق ، كما سبق.
ثانيهما : أن هاتين الآيتين سيقتا للتنويه بالقرآن وبيان عظم شأنه وعلو قدرته ، ولا يشك شاك أن ذلك يكون أكثر وضوحاً وأقوى حجة لو أخبر أنه قائم بذاته تعالى ، فلو كان أزليا قائماً به سبحانه لكان الأحرى أن يقال بل هو قرآن مجيد قائم بالعزيز الحميد ، أو نحو ذلك مما يدل على ما ذكرته.
14- قوله تعالى : (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه) ، ووجه الاستدلال به أنه أثبت كونه مسبوقاً بغيره ، والمسبوق لا يكون إلا حادثاً ، وأنه مهيمن على سابقه ، والهيمنة دليل على أن المهيمن عليه حادث ، وإذا كان ما قبله حادثاً فهو أحرى بصفة الحدوث .
قوله تعالى : (وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزَّلناه تنزيلاً) ، ووجه الاستدلال به أن الله أخبر عنه بأنه مفروق ، والمفروق مصنوع لا يكون إلا حادثاً ، فهذه نماذج من الأدلة القرآنية على حدوثه.
وأما الأدلة من السنة فكثير من الروايات ، وإنما نقتصر منها على ما يلي :
1- أخرج الإمام أحمد ، والبخاري ، وأبو داود عن أبي سعيد بن المعلى قال : كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ، فقلت : يا رسول الله إني كنت أصلي ، فقال : ( ألم يقل الله (إستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم) ؟ ثم قال : (لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد) ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له : ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ؟ قال : الحمد لله رب العالمين ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) .
2- روى الإمام الربيع بن حبيب في مسنده عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد) ويرددها ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فكان الرجل يتقللها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده لإنها لتعدل ثلث القرآن) ، وأخرجه الإمام البخاري من طريق أبي سعيد بلفظ (والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن) .
3- روى البخاري عن أبي سعيد أيضاً ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة) فشق ذلك عليهم ، وقالوا أيُّنا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : (الله الواحد الصمد ثلث القرآن) .
4- روى الإمام أحمد عن أبي سعيد كذلك قال بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنها لَتَعْدِلُ نِصْفَ الْقُرْآن -ِ أَوْ ثُلُثَهُ) ، وأخرج نحوه مسلم والترمذي من طريق أبي هريرة رضي الله عنه ، ونحوه عند الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طريق أبي أيوب الأنصاري ، وقال الترمذي : وفي الباب عن أبي الدرداء ، وأبي سعيد ، وقتادة بن النعمان ، وأبي هريرة ، وأنس ، وابن عمر ، وأبي مسعود ، وروى مثله الإمام أحمد والنسائي من طريق أبي بن كعب ، والإمام أحمد والنسائي كذلك من طريق أبن مسعود ، وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مرفوعاً ، وروياه مع مسلم من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
لا زلنا في توضيح الشبهة الأولى والتي هي في مسألة خلق القرآن ولا زلنا في الأدلة الدالة على أن القرآن مخلوق ونكمل الأدلة العقلية على ذلك ثم نعرج لمناقشة أدلة القائلين بأن القرآن غير مخلوق.
5- إقترانه بالزمان نحو قولك كلم الله موسى عندما ذهب إلى الطور وقد تقدم في صدر البحث ما يدل عليه من نصوص القرآن والسنة ، وصفاته عز وجل سابقة على الأزمنة فلا يجوز اقترانها بها .
6- أن حروف القرآن هي نفس الحروف التي ينتظم منها كلام العرب ، نثره ونظمه ، سجعه ومرسله ، رجزه وقصيده ، ويشاركه فيها سائر كلام البشر ، فإن كان القرآن قديماً لزم قِدم كلام الناس لتركب كلامهم من هذه الحروف بعينها ، ويلزم من ذلك كون الكلام سابقاً على المتكلمين به وإلا فكيف يتألف القديم من الحوادث ؟
وإن قيل بقدمها في القرآن وسائر كلام الله دون كلام البشر لزم منه أن تجتمع في كل حرف منها صفتان متناقضتان ، الحدوث والقِدم ، وهل هذا إلا جمع بين النقيضين.
فإن قيل إن هذه الحجة غير ملزمة لأن ابن تيمية وابن القيم فرَّقا بين حروف القرآن وسائر كلام الله تعالى ، وبين حروف كلام البشر ، بأنها وإن اتحدت فالوحدة بينها جنسية وليست عينية .
فجوابه أن قولهما مردود من وجهين
أولهما : أنا لا نسلم أن هذه الوحدة ليست عينية ، إذ لو كان كذلك للزم تعدد الحرف الواحد بتعدد الناطقين به أو كاتبيه ، وأن تتغاير الأحكام فيه بحسب هذا التعدد
ثانيهما: أن الجنسية لا تجمع الحادث والقديم.
وقفة مع أدلة النافين لخلق القرآن:
1- قالوا أن الله تعالى امتن على عباده بتعليمه القرآن لا بخلقه حيث قال : (الرحمن علَّم القرآن)
وهو كما ترى احتجاج سلبي بما لا ينص على عدم الخلق ، ولا يفهم منه ذلك بحال ، فإن الامتنان بالتعليم لو كان دليلاً على عدم الخلق لاقتضى ذلك أن يكون البيان كله غير مخلوق ، لقوله سبحانه إثر ذلك (خلق الإنسان علَّمه البيان) ، ولم يقل خلق له البيان ، وإنما الامتنان في الموضعين كان بالتعليم لا بالخلق لأنه منشأ الانتفاع بهما ، وقد امتن الله على عباده بتسخير المخلوقات لهم حيث قال : (وسخَّر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه) ، فهل يقال بأن ذلك حجة على عدم خلق ما في السماوات وما في الأرض مما سخَّره الله للعباد ، بحجة امتنانه تعالى بتسخيره دون خلقه.
2- قوله تعالى بـ (له الخلق والأمر) ، وموضع استدلالهم به ، عطف الأمر على الخلق ، وذلك أنهم قالوا إن الخلق هو المخلوق والأمر كلامه تعالى الذي هو غير مخلوق ، وهو قوله ( كن ) ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) ، وفي هذه التفرقة بين الخلق والأمر دليل على فساد قول من قال بخلق القرآن ، إذ لو كان كلامه الذي هو أمر مخلوقاً لكان قد قال ألا له الخلق والخلق وذلك غث من الكلام ، ومستغث ومستهجن ، روى ذلك عن ابن عيينة ، وذكره غير واحد من المفسرين منهم ابن أبي حاتم والقرطبي والقاسمي.
وفساد قولهم هذا أبين من أن يحتاج إلى بيان ، فقد استدلوا بغير دليل ، وتعلقوا بغير متعلق ، وهو إن دل على شيء فلا يدل إلا على الإفلاس من الحجة ، والحيرة عن الحقيقة ، وإنني لفي شك مريب في صحة نسبة هذا الاستدلال إلى ابن عيينة مع رسوخ قدمه في العلم ، وطول باعه في الفهم ، فقد اشتهر بين أقرانه بحسن الرواية وعمق الدراية ، ولئن كان ذلك ثابتاً عنه فهي عثرة لا لعا بعدها ، وكبوة لا ثورة بعدها ، كيف وهو استدلال منتقض بنيانه ، متداعية أركانه من وجوه شتى :
أولها : أن سياق هذا الكلام غير خارج عن القول في انفراد الله تعالى بإيجاد الحادثات وتصريفها وفق مشيئته ، فإن نص الآية كلها (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) ، وغاية ما تدل عليه أن الله سبحانه وتعالى كما انفرد بإيجاد الكون من العدم فهو منفرد بتصريفه ، لا مشارك له في خلقه ولا في تدبيره ، إذ ليس لأحد غيره شيء من الخلق أو التدبير ، بل له تعالى وحده الخلق والأمر ، والمراد به هنا التدبير كما هو واضح ، وليس في ذلك ما يشير إلى قِدم القرآن أو حدوثه ولو من بعيد.
من بين الأدلة التي استدل بها أصحاب قول أن القرآن
غير مخلوق:
2- قوله تعالى بـ (له الخلق والأمر) وموضع استدلالهم به عطف الأمر على الخلق وذلك أنهم قالوا إن الخلق هو المخلوق والأمر كلامه تعالى الذي هو غير مخلوق وهو قوله ( كن ) ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) وفي هذه التفرقة بين الخلق والأمر دليل على فساد قول من قال بخلق القرآن إذ لو كان كلامه الذي هو أمر مخلوقاً لكان قد قال ألا له الخلق والخلق وذلك غث من الكلام ومستغث ومستهجن وى ذلك عن ابن عيينة وذكره غير واحد من المفسرين منهم ابن أبي حاتم والقرطبي والقاسمي.
وفساد ذلك من وجوه:
أولها : أن سياق هذا الكلام غير خارج عن القول في انفراد الله تعالى بإيجاد الحادثات وتصريفها وفق مشيئته ، فإن نص الآية كلها (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) ، وغاية ما تدل عليه أن الله سبحانه وتعالى كما انفرد بإيجاد الكون من العدم فهو منفرد بتصريفه ، لا مشارك له في خلقه ولا في تدبيره ، إذ ليس لأحد غيره شيء من الخلق أو التدبير ، بل له تعالى وحده الخلق والأمر ، والمراد به هنا التدبير كما هو واضح ، وليس في ذلك ما يشير إلى قِدم القرآن أو حدوثه ولو من بعيد.
ثانيها: أن العطف لا يقتضي التغاير من كل وجه ، بل يكفي فيه أن يكون التغاير اعتبارياًّ كتغاير الخصوص والعموم ، والإطلاق والتقييد ، وتغاير الصفات مع وحدة الموصوف ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) ، فإن الصلاة الوسطى لم تخرج عن كونها من جنس الصلوات التي أمر بالمحافظة عليها ، وقوله تعالى : (من كان عدو لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال .. الآية )، ولا قائل بخروج جبريل وميكال من جنس الملائكة ، وقوله جل وعلا : (تلك آيات الكتاب وقرآن مبين) ، وقوله : (تلك آيات القرآن وكتاب مبين) ، والكتاب فيهما عين القرآن ، وليس تغايرهما إلا اعتبارياًّ ، وقوله عز من قائل : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) ، ولا يماري عاقل في كون العدل إحساناً والإحسان عدلاً.
ثالثها: أن أمر الله تعالى ذكر في القرآن مقروناً بما يدل على خلقه ، فقد قال عز وجل : (وكان أمر الله مفعولاً) ، وقال : (ليقضي الله أمراً كان مفعولا) ، والمفعول والمقضي لا يكونان إلا حادثين لتعذر سبقهما على الفعل والقضاء ، وقال تعالى : (وكان أمر الله قدراً مقدورا) ، وكيف يكون المقدور أزلياًّ ، وقال سبحانه : (يدبِّر الأمر من السماء إلى الأرض) ، والمدبِّر حادث ، وقال : (وما أمرنا إلا واحدة كلمحٍ بالبصر) ، وقال : (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك) ، وهو دليل على أنه لم يقع بعد عند نزول الآية لأنه منتظر وقوعه ، وقال تعالى : (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور)، وليس المراد به هنا إلا ما عاقب به قوم نوح من الغرق ، والعقل والنقل قاضيان بحدوث ذلك.
رابعها: أن أمره تعالى قد يراد به في موضع من القرآن غير ما أريد به في موضع آخر ، فهو في قوله تعالى : (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور) غير المراد به في قوله عز وجل أتى أمر الله فلا تستعجلوه) ، وقوله : (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك)
خامسها: أن حمل الأمر في هذه الآيات التي أوردناها على القرآن غير مستساغ ،لأنه من المعلوم قطعاً أنه ليس هو المراد بقوله : (أو يأتي أمر ربك) وقوله : (أتى أمر الله) وقوله : (حتى إذا جاء أمرنا) وقوله : (ليقضي الله أمراً كان مفعولا) وقوله : (وكان أمر الله قدراً مقدوراً) فكيف يحمل في قوله : (له الخلق والأمر) على القرآن ، والسياق دال على خلافه.
وقد تنبه أئمة التفسير الحاذقون لفساد هذا القول ، فرفضوه من أساسه حتى أولئك القائلون منهم بقِدم القرآن ، فمنهم من لم يعرج عليه رأساً بل اكتفى بإيراد القول الحق في تفسير الآية كابن جرير إذ قال في تفسير الأمر فيها : "أمرهن الله فأطعن أمره ألا لله الخلق كله ، والأمر الذي لا يخالف ولا يرد أمره دون ما سواه من الأشياء كلها ، ودون ما عبده المشركون من الآلهة والأوثان التي لا تضر ولا تنفع ، ولا تخلق ولا تأمر ، تبارك الله معبودنا الذي له عبادة كل شيء رب العالمين حدثني المثنى قال : ثنا إسحاق ، قال : ثني هشام أبو عبد الرحمن ، قال :ثنا بقية بن الوليد قال : ثني عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري عن عبد العزيز الشامي عن أبيه ـ وكانت له صحبة ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه قلَّ شكره وحبط عمله ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئاً فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله : (له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين)إبن جرير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج8 ص206
2- قوله تعالى بـ (له الخلق والأمر) وموضع استدلالهم به عطف الأمر على الخلق وذلك أنهم قالوا إن الخلق هو المخلوق والأمر كلامه تعالى الذي هو غير مخلوق وهو قوله ( كن ) ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) وفي هذه التفرقة بين الخلق والأمر دليل على فساد قول من قال بخلق القرآن إذ لو كان كلامه الذي هو أمر مخلوقاً لكان قد قال ألا له الخلق والخلق وذلك غث من الكلام ومستغث ومستهجن وى ذلك عن ابن عيينة وذكره غير واحد من المفسرين منهم ابن أبي حاتم والقرطبي والقاسمي.
وفساد ذلك من وجوه:
أولها : أن سياق هذا الكلام غير خارج عن القول في انفراد الله تعالى بإيجاد الحادثات وتصريفها وفق مشيئته ، فإن نص الآية كلها (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) ، وغاية ما تدل عليه أن الله سبحانه وتعالى كما انفرد بإيجاد الكون من العدم فهو منفرد بتصريفه ، لا مشارك له في خلقه ولا في تدبيره ، إذ ليس لأحد غيره شيء من الخلق أو التدبير ، بل له تعالى وحده الخلق والأمر ، والمراد به هنا التدبير كما هو واضح ، وليس في ذلك ما يشير إلى قِدم القرآن أو حدوثه ولو من بعيد.
ثانيها: أن العطف لا يقتضي التغاير من كل وجه ، بل يكفي فيه أن يكون التغاير اعتبارياًّ كتغاير الخصوص والعموم ، والإطلاق والتقييد ، وتغاير الصفات مع وحدة الموصوف ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) ، فإن الصلاة الوسطى لم تخرج عن كونها من جنس الصلوات التي أمر بالمحافظة عليها ، وقوله تعالى : (من كان عدو لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال .. الآية )، ولا قائل بخروج جبريل وميكال من جنس الملائكة ، وقوله جل وعلا : (تلك آيات الكتاب وقرآن مبين) ، وقوله : (تلك آيات القرآن وكتاب مبين) ، والكتاب فيهما عين القرآن ، وليس تغايرهما إلا اعتبارياًّ ، وقوله عز من قائل : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) ، ولا يماري عاقل في كون العدل إحساناً والإحسان عدلاً.
ثالثها: أن أمر الله تعالى ذكر في القرآن مقروناً بما يدل على خلقه ، فقد قال عز وجل : (وكان أمر الله مفعولاً) ، وقال : (ليقضي الله أمراً كان مفعولا) ، والمفعول والمقضي لا يكونان إلا حادثين لتعذر سبقهما على الفعل والقضاء ، وقال تعالى : (وكان أمر الله قدراً مقدورا) ، وكيف يكون المقدور أزلياًّ ، وقال سبحانه : (يدبِّر الأمر من السماء إلى الأرض) ، والمدبِّر حادث ، وقال : (وما أمرنا إلا واحدة كلمحٍ بالبصر) ، وقال : (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك) ، وهو دليل على أنه لم يقع بعد عند نزول الآية لأنه منتظر وقوعه ، وقال تعالى : (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور)، وليس المراد به هنا إلا ما عاقب به قوم نوح من الغرق ، والعقل والنقل قاضيان بحدوث ذلك.
رابعها: أن أمره تعالى قد يراد به في موضع من القرآن غير ما أريد به في موضع آخر ، فهو في قوله تعالى : (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور) غير المراد به في قوله عز وجل أتى أمر الله فلا تستعجلوه) ، وقوله : (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك)
خامسها: أن حمل الأمر في هذه الآيات التي أوردناها على القرآن غير مستساغ ،لأنه من المعلوم قطعاً أنه ليس هو المراد بقوله : (أو يأتي أمر ربك) وقوله : (أتى أمر الله) وقوله : (حتى إذا جاء أمرنا) وقوله : (ليقضي الله أمراً كان مفعولا) وقوله : (وكان أمر الله قدراً مقدوراً) فكيف يحمل في قوله : (له الخلق والأمر) على القرآن ، والسياق دال على خلافه.
وقد تنبه أئمة التفسير الحاذقون لفساد هذا القول ، فرفضوه من أساسه حتى أولئك القائلون منهم بقِدم القرآن ، فمنهم من لم يعرج عليه رأساً بل اكتفى بإيراد القول الحق في تفسير الآية كابن جرير إذ قال في تفسير الأمر فيها : "أمرهن الله فأطعن أمره ألا لله الخلق كله ، والأمر الذي لا يخالف ولا يرد أمره دون ما سواه من الأشياء كلها ، ودون ما عبده المشركون من الآلهة والأوثان التي لا تضر ولا تنفع ، ولا تخلق ولا تأمر ، تبارك الله معبودنا الذي له عبادة كل شيء رب العالمين حدثني المثنى قال : ثنا إسحاق ، قال : ثني هشام أبو عبد الرحمن ، قال :ثنا بقية بن الوليد قال : ثني عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري عن عبد العزيز الشامي عن أبيه ـ وكانت له صحبة ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه قلَّ شكره وحبط عمله ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئاً فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله : (له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين)إبن جرير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج8 ص206
ومنهم من أشار إليه وأنكره كالألوسي ، فإنه بعدما
ذكر ما نسب إلى ابن عيينة أتبعه بقوله : (وليس بشيء)روح المعاني ج8 ص 183
وقال الفخر - بعد أن حكى عن أصحابه احتجاجهم بهذه الآية على أن كلام الله قديم وما ردَّ به عليهم - قال القاضي : أطبق المفسرون على أنه ليس المراد بهذا الأمر كلام التنزيل بل المراد به نفاذ إرادة الله تعالى ، لأن الغرض بالآية تعظيم قدرته ، وقال آخرون لا يبعد أن يقال : الأمر وإن كان داخلاً تحت الخلق إلا أن الأمر بخصوص كونه أمراً يدل على نوع آخر من الكمال والجلال ، فقوله : (له الخلق والأمر) معناه له الخلق والإيجاد في المرتبة الأولى ، ثم بعد الإيجاد والتكوين فله الأمر والتكليف في المرتبة الثانية ، ألا ترى أنه لو قال له الخلق وله التكليف وله الثواب والعقاب كان ذلك حسناً مفيداً ، مع أن الثواب والعقاب داخلان تحت الخلق ، فكذا هاهنا ، وقال آخرون : معنى قوله : (ألا له الخلق والأمر) هو أنه إن شاء خلق وإن شاء لم يخلق ، فكذا قوله : (والأمر) يجب أن يكون معناه إنه إن شاء أمر وإن شاء لم يأمر ، وإذا كان حصول الأمر متعلقاً بمشيئته لزم أن يكون ذلك الأمر مخلوقاً ، كما أنه لما كان حصول المخلوق متعلقاً بمشيئته كان مخلوقاً ، أما لو كان أمر الله قديماً لم يكن ذلك الأمر بحسب مشيئته بل كان ذلك من لوازم ذاته ، فحينئذ لا يصدق عليه أنه إن شاء أمر وإن شاء لم يأمر ، وذلك ينفي ظاهر الآية.التفسير الكبير مفاتيح الغيب ج14 ص123/124 ط2
وهو وإن اعترضه بقوله : ( إنه لو كان الأمر داخلاً تحت الخلق كان إفراد الأمر بالذكر تكريراً محضاً ، والأصل عدمه ، أقصى ما في الباب أنا تحملنا ذلك في صور لأجل الضرورة إلا أن الأصل عدم التكرير )التفسير الكبير مفاتيح الغيب ج14 ص124 ط2
فإن اعتراضه هذا ساقط بما تقدم من كلامه وبما ذكرته في صدر الرد على هذا الاستدلال .
ونسب أبو حيان هذا الاستدلال بالآية إلى النقَّاش وغيره ، وأتبعه بقوله : ( وهذا استدلال ضعيف إذ لا يتعيَّن حمل اللفظ على ما ذكر بل الأظهر خلافه.البحر المحيط ج4 ص310
وقال ابن كثير في تفسير الآية أي الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته ، ولهذا قال منبهاً : ( ألا له الخلق والأمر ) أي له الملك والتصرف.تفسير ابن كثير ج2 ص221 25
ونقل جمال الدين القاسمي عن العلامة البقاعي أنه قسم الممكنات الموجودة - وهي ما سوى الله - إلى قسمين ، قسم من شأنه أن يدرك بالحواس الظاهرة ، ويسمى في عرف أهل الشرع الشهادة والخلق والملك ، وقسم لا يدرك بالحواس الظاهرة ، ويسمى الغيب والأمر والملكوت ، والأول يدركه عامة الناس ، والثاني يدركه أولو الألباب الذين عقولهم خالصة عن الوهم والوساوس.محاسن التأويل ج3 ص357.
وفسّر السيد رشيد رضا الأمر بقوله : ( وهو التشريع والتكوين والتصرف والتدبير) المنار ج 8 ص 454
وقال الإمام ابن عاشور : ( الخلق إيجاد الموجودات والأمر تسخيرها للعمـل الذي خلقت لأجله ) ، ثم قال : ( والتعريف في الخلق والأمر تعريف الجنس ، فتفيد الجملة قصر جنس الخلق وجنس الأمر على الكون في ملك الله تعالى ، فليس لغيره شيء ومن مثل هذا الجنس ، معناه ليس لآلهتهم شيء من الخلق ولا من الأمر ) التحرير والتنوير ج8 ص169
وقال الفخر - بعد أن حكى عن أصحابه احتجاجهم بهذه الآية على أن كلام الله قديم وما ردَّ به عليهم - قال القاضي : أطبق المفسرون على أنه ليس المراد بهذا الأمر كلام التنزيل بل المراد به نفاذ إرادة الله تعالى ، لأن الغرض بالآية تعظيم قدرته ، وقال آخرون لا يبعد أن يقال : الأمر وإن كان داخلاً تحت الخلق إلا أن الأمر بخصوص كونه أمراً يدل على نوع آخر من الكمال والجلال ، فقوله : (له الخلق والأمر) معناه له الخلق والإيجاد في المرتبة الأولى ، ثم بعد الإيجاد والتكوين فله الأمر والتكليف في المرتبة الثانية ، ألا ترى أنه لو قال له الخلق وله التكليف وله الثواب والعقاب كان ذلك حسناً مفيداً ، مع أن الثواب والعقاب داخلان تحت الخلق ، فكذا هاهنا ، وقال آخرون : معنى قوله : (ألا له الخلق والأمر) هو أنه إن شاء خلق وإن شاء لم يخلق ، فكذا قوله : (والأمر) يجب أن يكون معناه إنه إن شاء أمر وإن شاء لم يأمر ، وإذا كان حصول الأمر متعلقاً بمشيئته لزم أن يكون ذلك الأمر مخلوقاً ، كما أنه لما كان حصول المخلوق متعلقاً بمشيئته كان مخلوقاً ، أما لو كان أمر الله قديماً لم يكن ذلك الأمر بحسب مشيئته بل كان ذلك من لوازم ذاته ، فحينئذ لا يصدق عليه أنه إن شاء أمر وإن شاء لم يأمر ، وذلك ينفي ظاهر الآية.التفسير الكبير مفاتيح الغيب ج14 ص123/124 ط2
وهو وإن اعترضه بقوله : ( إنه لو كان الأمر داخلاً تحت الخلق كان إفراد الأمر بالذكر تكريراً محضاً ، والأصل عدمه ، أقصى ما في الباب أنا تحملنا ذلك في صور لأجل الضرورة إلا أن الأصل عدم التكرير )التفسير الكبير مفاتيح الغيب ج14 ص124 ط2
فإن اعتراضه هذا ساقط بما تقدم من كلامه وبما ذكرته في صدر الرد على هذا الاستدلال .
ونسب أبو حيان هذا الاستدلال بالآية إلى النقَّاش وغيره ، وأتبعه بقوله : ( وهذا استدلال ضعيف إذ لا يتعيَّن حمل اللفظ على ما ذكر بل الأظهر خلافه.البحر المحيط ج4 ص310
وقال ابن كثير في تفسير الآية أي الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته ، ولهذا قال منبهاً : ( ألا له الخلق والأمر ) أي له الملك والتصرف.تفسير ابن كثير ج2 ص221 25
ونقل جمال الدين القاسمي عن العلامة البقاعي أنه قسم الممكنات الموجودة - وهي ما سوى الله - إلى قسمين ، قسم من شأنه أن يدرك بالحواس الظاهرة ، ويسمى في عرف أهل الشرع الشهادة والخلق والملك ، وقسم لا يدرك بالحواس الظاهرة ، ويسمى الغيب والأمر والملكوت ، والأول يدركه عامة الناس ، والثاني يدركه أولو الألباب الذين عقولهم خالصة عن الوهم والوساوس.محاسن التأويل ج3 ص357.
وفسّر السيد رشيد رضا الأمر بقوله : ( وهو التشريع والتكوين والتصرف والتدبير) المنار ج 8 ص 454
وقال الإمام ابن عاشور : ( الخلق إيجاد الموجودات والأمر تسخيرها للعمـل الذي خلقت لأجله ) ، ثم قال : ( والتعريف في الخلق والأمر تعريف الجنس ، فتفيد الجملة قصر جنس الخلق وجنس الأمر على الكون في ملك الله تعالى ، فليس لغيره شيء ومن مثل هذا الجنس ، معناه ليس لآلهتهم شيء من الخلق ولا من الأمر ) التحرير والتنوير ج8 ص169
0 التعليقات:
إرسال تعليق